عشرة مفاتيح لتدبر القرأن والنجاح في الحياة

{ بسمـ الله الرحمــن الرحيمـ }

أن تلاوة القرآن عبادة عظيمه أمر الله عز وجل بها ورتب عليها الأجر الجزيل ومدح أهلها
قال تعالى ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانيه يرجون
تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور) فاطر 30و29 وهناك عشرة مفاتيح لتدبر القرآن والنجاح في الحياة
المفتاح الأول حب القرآن
أن القلب إذا أحب شيئا تعلق به واشتاق إليه وشغف به وانقطع عما سواه ، والقلب إذا أحب القرآن
تلذذ بقراءته واجتمع على فهمه ووعيه فيحصل بذلك التدبر المكين ، والفهم العميق وإن حب القلب للقرآن علامات منها :
الفرح بلقائه . الجلوس معه أوقاتا طويله دون ملل . الشوق إليه متى بعد العهد عنه وحال دون ذلك
بعض الموانع كثرة مشاورته والثقة بتوجيهاته , طاعته أمرا ونهيا . فمتى وجدت فإن الحب موجود ومتى تخلف عن القرآن مفقود
ومن وسائل تحقيق محبة القرآن التوكل على الله تعالى والاستعانه به وسؤاله أن يرزقك حب القزآن وورد في حديث كان الرسول
صلى الله عليه وسلم يدعو أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب
همي إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحا ، ويتحرى مواطن الإجابة ويجتهد أن يكون سؤاله بصدق وبتضرع وإلحاح وشفقه وحرص شديد أن يجاب وأن يعطى الوسيلة الثانية
فعل الأسباب : وخير الأسباب وأنفعها في هذا المقام العلم ووسيلته القراءة أي القراءة عن عظمة القرآن
مما في القرآن والسنة أقوال السلف في تعظيمهم للقرآن وحبهم له ..


المفتاح الثاني أهداف قراءة القرآن

معظم الناس إذا سألته لماذا تقرأ القرآن ؟ يجيبك لأن تلاوته أفضل الأعمال . ولأن الحرف بعشر حسنات ،والحسنه بعشر أمثالها
فيقتصر نفسه على هدف ومقصد الثواب ، أما المقاصد والأهداف الأخرى فيغفل عنها
وفي أي عمل نعمله كلما تعددت النيات وكثرت كلما كان العمل أعظم أجرا أكبر تأثيرا على العامل
,مثل الصدقه على ذي الرحم. وقراءة القرآن يجتمع فيها خمس مقاصد ونيات كلها عظيمة ,وكل واحدة منها كافية لأن تدفع المسلم ليسارع إلى قراءة القرآن,
فمتى قرأ المسلم القرآن مستحضرا المقاصد الخمسة معا كان انتفاعه بالقرآن أعظم أجره وأكبر ,
قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى),
المقصد الأول قراءة القرآن لأجل العلم وهو المقصد الأعظم من إنزال القرآن ,و الأمر بقراته قال ابن مسعود رضي الله عنه :
(إذا أردتم العلم فانثروا هذا القرآن فإن فيه علم الأولين والأخرين)
وعن عبد الله بن عمر ـرضي الله عنهما قال (عليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناء كم فإنكم عنه تسألون, و به تجزون ,وكفى به واعظاً لمن عقل )




المقصد الثاني قراءة القرآن بقصد العمل به
وعن أبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله عن عثمان وابن مسعود أبي كعب رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يقرؤهم العشر ,فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل , فتعلمنا القرآن والعمل جميعا .


المقصد الثالث قراءة القرآن بقصد مناجاة الله
وعن عبد الله بن مبارك رحمه الله قال :سألت سفيان الثوري رحمه الله قلت الرجل إذا قام إلى الصلاة أي شئ ينوي بقراءته وصلاته ؟ قال ينوي أنه يناجي ربه )
فالمسلم عند قراءته للقرآن عليه أن يستحضر هذا المقصد العظيم لكي يشعر بلذة القراءة حينما يستحضر أن الله يراه
ويستمع لقراءته وهو يقرأ ويمدحه ويثني عليه ويباهي به ملائكته المقربين , إن أحدنا لو ظن أن أن رئيسه . أوو الده أو أميراً
ينظر إلى قراءته ويمدحه لا جتهد في ذلك فكيف والذي يستمع إليه ويثنى عليه ملك الملوك الذي له ما في السموات وما في الأرض
وما بينها وما تحت الثرى فالقارئ يستشعر أن الله يخاطبه مباشرة,وأن الله تعالى يسمع قراءته فإذا مر بآية فيها تسبيح سبح
وإذا مر بآية فيه وعيد استعاذ, وإذا مر بسؤال سأل ,
وتذكر أنه يجتمع لك في المناجاة بالقرآن خمس معان مجموعة في قولك (حرس مع ) أن الله يحبك حين تقرأ القرآن ,يراك ,يسمعك
يمدحك , يعطيك فا ستحضر هذه المعاني حين القراءة ولا تدعها تفوتك
المقصد الرابع قراءة القرآن بقصد الثواب
ورد في ترتيب الثواب على قراءة القرآن نصوص كثيرة اذكر طرفاً منها للتذكير بهذا الأمر المهم :فعن ابن مسعود
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولا م حرف وميم حرف )
وعن عبد الله بن مسعود ـرضي الله عنهما ـ أن رسول الله قال (الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام :أي
رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني , ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان
المقصد الخامس : قراءة القرآن بقصد الا ستشفاء به
فالقرآن شفاء للقلوب من أمراض الشبهات والشهوات والوساوس بأنواعها كلها القهري وغيره وشفاء للأبدان من الأسقام
فمتى استحضر العبد هذا المقصد فإنه يحصل له الشفاءان : الشفاء العلمي المعنوي النفسي , والشفاء المادي البدني بإذن الله
تعالى ,عن على رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير الدواء القرآن)





المفتاح الثالث : القيام بالقرآن

إن هذا المفتاح من أهم مفاتح تدبر القرآن , وأعظمها شأناً, وقد ورد عدد من النصوص تؤكد أهميته , من ذلك
قول الله تعالى (ومن الليل قتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما محموداً)
إن اجتماع القرآن مع الصلاة يمكن أن يشبه با جتماع الأكيف الحاليجين مع الهيدروجين حيث ينتج من
تركيبها الماء الذي به حياة الآبدان :فكذلك اجتماع القرآن مع الصلاة ينتج ماء حياة القلب و صحته وقوته ولذلك فلا تعجب من كل هذا الفضل الذي رتب هذا العمل ..


المفتاح الرابع : أن تكون القراءة في ليل

إن الليل ـوخاصة وقت السحر ـمن أفضل الأوقات للتذكر فالذاكرة تكون في أعلى مستوى
بسبب الهدوء والصفاء وبسبب بركة الوقت حيث النزول الإلهي و فتح أبواب السماء ,فأي أمر
تريد تثبيته في الذاكرة بحيث تتذكر ه في النهار فقم بمراجعته في هذا الوقت ,وقد استفاد من
هذا أهل الدنيا من أهل السياسة والاقتصاد وخاصة الغرب : حيث ذكر عدد منهم أنه يقوم بمراجعة حساباته
أو معاملاته وأوراقه في مثل هذا الوقت وأنه يوفق في الصواب في قرارته . فأهل القرآن أ هل الآخرة أولى باغتنام هذه الفرصة
لتثبيت إيمانهم وعلمهم .
قال النووي رحمه الله (ينبغي للمرء أن يكون اعتناؤه بقراءة القرآن في الليل أكثر ,وقي الصلاة الليل أكثر , والأحاديث
والآثار في هذا كثيرة ,وإنما رجحت صلاة الليل وقراءته لكونها أجمع للقلب , وأبعد عن الملهيات والتصرف في الحاجات ,
وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات.

المقتاح الخامس : التكرار الأسبوعي للقرآن

القرآن أنزل ليعمل به , ووسيلة العمل به العلم به أولاً, وهو يحصل بقراءته وتدبره ,وكلما كثر التكرار كان أقوى
في رسوخ معاني القرآن الكريم , ومن أجل ذلك كان السلف يواظبون على قراءة القرآن ’ ويحرصون على كثرة تلاوته
وتكرارها , وقراءة القرآن مثل العلاج لا بد بزمن معين لا يزيد عليه ولا ينقص حتى يحدث أثره ,مثل المضاد الحيوي
وإن تقارب أكثر من المناسب أضر بالبدن ,فكذلك قراءة القرآن المدة التي أقرها النبي لأمته ,لمن رغب في الخير سبعة أيام
إلى شهر ,ونهى عن أقل من ثلاث ..

المفتاح السادس : أن تكون القراءة حفظاً

قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الذي ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب )
وإن الحفظ أحد مفاتح التدبر لأنه متى كانت الآية محفوظة فتكون حاضرة , ويتم تنزيلها على النوازل و المواقف التي تمر في الحياة
بشكل سريع ومباشره, أما إذا كان القرآن في الرفوف فقط: فكيف يمكن لنا أن نطبقه على حياتنا؟
إن في حفظ القرآن عدة أهداف هو القيام به آنا الليل وآناء النهار , والهدف من القيام به حفظ ما تضمنه من العلم بالله واليوم الآخر .
ذلكم العلم الذي يحقق السعادة والحياة الطيبة للإنسان ويحقق له الثبات في الأزمات , والقوة للأمة قي مواجهة أعدائها .
هذا هو الهدف الأهم لحفظ القرآن والذي ينبغي أن يركز عليه القائمون على التربية.
المفتاح السا بع : تكرار الآيات
إن الهدف من التكرار هو التوقف لاستحضار المعاني ,وكلما كثر التكرار كلما زادت المعاني التي تفهم من النص , والتكرارـ
أيضا قد يحصل لا إرادياً تعظيما أو إعجابا بما قرأ, وهذا مشاهد في واقع الناس حينما يعجب أحدهم بجمله أو قصة
فإنه يكثر من تكرارها على نفسه أو غيره ,
والتكرار : نتيجة وثمرة للفهم والتدبر , وقد ورد إن الرسول صلى الله عليه وسلم يكرار الآيه حتى يصبح مثل
قال تعالى (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )

المفتاح الثامن : ربط الأ لفا ظ بالمعاني :
هو ربط اللفظ بالمعنى , أي حفظ المعاني , وهوأيضا : ربط الآية بالواقع أي تنزيل الآية على المواقف والأحوال
اليومية التي تمر بالشخص هو التمثل بالقرآن في كل حدث يحصل في اليوم والليلة , بحيث يبقى القرآن حياً في
القلب تؤخذ منه الإجابات والتفسير للحياة , وتؤخذ منه التوجيهات والأنظمة في كل صغير ة وكبيرة ,
وهذا الربط يعرف عند علماء النفس بالاتزان الشرطي ويعرف بالوقت الحاضر عند علماء البرمجة بالإرسال
وهو يعرف في القرآن والسنة بالذكر أو التذكر , وهو يعني تداعي المعاني , كما قال تعالى (إ ن الذين اتقوا إذا اتقوا إذا مستهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) الأعراف 201
المفتاح التاسع : الترتيل
الترتيل يعني الترسل والتمهل , ومن ذلك مراعاة المقاطع والمبادئ وتمام المعنى ’ بحيث يكون القارئ متفكراً فيما يقرأ,
قال الله تعالى (ورتل القرآن ترتيلاً) المزمل 4
قال ابن كثير (أي اقرأه على تمهل فإنه يكون عوناً على فهم القرآن وتدبره )
قال ابن مفلح رحمه الله ( أقل الترتيل ترك العجلة في القرآن عن الإبانة وأكمله أن يرتل القراءة ويتوقف فيها

المفتاح العاشر : الجهر بالقراءة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى عليه وسلم (ليس منا لم يتغن بالقرآن يجهر به )
إن الجهر بما يدور في القلب أعون على التركيز والانتباه ولذلك تجد الإنسان يلجأ إليه عندما تتعقد الأمور
ويصعب التفكير .
ومن فوائد الجهر استماع الملائكة الموكلة بسماع الذكر لقراءة القارئ وهر ب وفرار الشياطين
عن القارئ والمكان الذي يقرأ فيه , وفي ذلك تطهير للبيت وتعطير له وجعله بيئة صالحة للتربية والتعليم,
وإن بيتاً يكثر فيها الجهر بالقرآن هو بيت ـ كما قال أبو هريرة رضي الله عنه
(كثر خير ه وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين والبيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله ضاق بأهله وقل خيره
وحضرته الشياطين وخر جت منه الملائكة .
الخاتمه.......
إن من يطبق هذه المفاتيح العشرة فسيرى بأم قلبه نور القرآن , ويصبح من أو لياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
الذين مدحهم بقوله سبحانه ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكياً) مريم 58
نسأل الله الكريم بمنه وفضله أن يجعلنا منهم, والله الموفق والهادي إلى الصراط المسقيم , وصلى الله وسلم وبارك على
نبيــــنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ولاتنسونا من الدعاء
المؤلف:خالد اللاحم
المرجع : مفاتيح تدبر القرآن والنجاح في الحياة